الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
وقال الشاعر: أنشدني أبو القاسم المذكور قال: أنشدني أبا نصر بن منصور الكرجي الكاتب: قوله تعالى: {واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين * وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً} فخرا وأشَرِاً {وَرِئَآءَ الناس وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} معطوف على قوله: بطراً ورئاء الناس ومعناه ينظرون ويرون، إذ لا يعطف مستقبل على ماض، {والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} وهؤلاء أهل مكّة خرجوا يوم بدر ولهم بغيٌ وفخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهمّ إن قريشاً أقبلت بفخرها وخيلائها ليحادك ورسولك».قال ابن عباس: لمّا رأى أبو سفيان أنّه أحرز عيره أرسل إلى قريش أنّكم خرجتم لتمنعوا عليكم فقد نجاها الله فارجعوا فوافى الركب الذي فيه أبو سفيان ليأمروا قريشاً بالرجعة إلى مكّة فقال لهم: انصرفوا، فقال أبو جهل: والله لا ننصرف حتّى نرد بدراً وكان بدر موسماً من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام فنقيم بها ثلاثاً وننحر الجزر ونطعِم الطعام ونسقي الخمور ونعزف عليها القيان وتسمع بها العرب. فلا يزالون يهابوننا أبداً فوافوها فسُقوا كؤوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان.ونهى الله عباده المؤمنين بأن يكونوا مثلهم وأمرهم بإخلاص النيّة والخشية في نصرة دينه وموأزرة نبيه صلى الله عليه وسلم {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} وكانت الزينة لهم على ما قاله ابن عباس وابن إسحاق والسدي والكلبي وغيرهم: إن قريشاً لمّا أجمعت المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناف بن كنانة من الحرب التي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فكان ذلك أن يثبتهم، فجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته فتبدّى في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني، وكان من أشراف كنانة.قال الشاعر: {فَلَمَّا تَرَآءَتِ الفئتان} أي التقى الجمعان ورأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء وعلم أنّه لا طاقة له بهم {نَكَصَ على عَقِبَيْهِ}. قال الضحاك: ولّى مدبراً. قال النضر بن شميل: رجع القهقري على قفاه هارباً، وقال قطرب وابان بن ثعلبة: رجع من حيث جاء.قال الشاعر: وقال عبد الله بن رواحة: فلمّا رأيتم رسول الله نكصتم على أعقابكم هاربينا.قال الكلبي: لما التقوا كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة بن كنانة آخذاً بيد الحرث بن هشام، فنكص على عقبيه وقال له الحرث: يا سراقة أين؟ أتخذلنا على هذه الحالة؟ فقال له {إني أرى مَا لاَ تَرَوْنَ} فقال: والله ما نرى إلا جواسيس يثرب. فقال: {إني أَخَافُ الله}.قال الحرث: فهلاّ كان هذا أمس، فدفع في صدر الحرث فانطلق وانهزم الناس، فلمّا قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال بلغني أنكم تقولون أني هزمت الناس، فوالله ماشعرت حتى بلغني هزيمتكم، فقالوا أما أتيتنا في يوم كذا فحلف لهم، فلمّا تابوا علموا أن ذلك كان الشيطان.وقال الحسن في قوله: {أني أرى مالا ترون} فأتى إبليس جبرئيل معتجراً بردة يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده اللجام يقود الفرس ماركب.سمعت أبا القاسم الحبيبي سمعت أبا زكريا العنبري، سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي يقول أفخر بيت قيل في الإسلام قوله بغيض الأنصاري يوم بدر: وقال قتادة وابن إسحاق. قال إبليس: إني أرى مالا ترون وصدق الله في عدوّه، وقال: إني أخاف الله، وكذب عدوّ الله، والله ما به مخافة الله ولكن علم أنّه لا قوة له ولا منعة فأيّدهم وأسلمهم، وذلك عادة عدو الله لمن أطاعه، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم وتبرّأ منهم.قال عطاء إني أخاف الله أن يهلكني فيمن هلك، وقال الكلبي: خاف أن يأخذه جبرئيل ويعرّفهم حاله فلا يطيعوه من بعد، وقال معناه: إني أخاف الله، أي أعلم صدق وعده لأوليائه لأنه على ثقة من أمره.قال الاستاذ الامام أبو إسحاق، رأيت في بعض التفاسير: إني أخاف الله عليكم والله شديد العقاب.قال بعضهم هذا حكاية عن إبليس، وقال أخرون: انقطع الكلام عند قوله: إني أخاف الله قال الله {والله شَدِيدُ العقاب}.إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدجر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لمّا رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر»، وذلك أنه رأى جبرائيل وهو يزع الملائكة.{إِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شك ونفاق {غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ} يعني المؤمنين هؤلاء قوم بمكة مستضعفين حبسهم آباؤهم وأقرباؤهم من الهجرة، فلمّا خرجت قريش إلى بدر أخرجوهم كرهاً، فلمّا نظروا إلى حلة المسلمين ارتابوا وارتدّوا وقالوا: غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا جميعاً منهم: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان والحرث بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج والوليد بن عتبة وعمرو بن بن أمية، فلما قُتلوا مع المشركين ضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم فذلك قوله تعالى: {وَلَوْ ترى} تعاين يا محمد {إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة} أي يقبضون أرواحهم ببدر {يَضْرِبُونَ} حال أي ضاربين {وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} قال سعيد بن جبير، ومجاهد: يريد أستاههم ولكن الله تعالى كريم يكني.وقال مُرّة الهمذاني وابن جريج: وجوههم ما أقبل عنهم، وأدبارهم ما أدبر عنهم، وتقديره: يضربون أجسادهم كلها، وقال ابن عباس: كانوا إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولّوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم، وقال الحسن: «قال رجل: يا رسول الله رأيت بظهراني رجل مثل الشراك، قال: ذلك ضرب الملائكة» وقال الحسين بن الفضل: ضرب الوجه عقوبة كفرهم، وضرب الأدبار عقوبة معاصيهم.{وَذُوقُواْ} فيه إضمار، أي ويقولون لهم ذوقوا {عَذَابَ الحريق} في الآخرة، ورأيت في بعض التفاسير: كان مع الملائكة مقامع من حديد كلمّا ضربوا التهب النار في الجراحات فذلك قوله تعالى: وذوقوا عذاب الحريق، ومعنى قوله ذوقوا: قاسوا واحتملوا. قال الشاعر: ويجوز ذوقوا بمعنى موضع الابتلاء والاختبار يقول العرب اركب هذا الفرس فذقه، وانظر فلاناً وذق ما عنده. قال الشماخ في وصف قوس: وأصله من الذوق بالفم {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ} كسبت وعملت {أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أخذهم من غير جزم، وفي محل {أنّ} وجهان من الاعراب: أحدهما النصب عطفاً على قوله: {بما قدمت} تقديره: وأن الله، والآخر: الرفع عطفاً على قوله: {ذلك} معناه: وذلك أن الله.
وأصل التشريد: التطريد والتفريق والتبديد، وقرأ أبن مسعود {وشرّذ} بالذال معجم وهو واحد.قال قطرب التشريذ بالذال التنكيل، وبالدال للتفريق من خلفهم أي من ورائهم، وقيل من يأتي خلفهم، وقرأ الأعمش مِن {خلفِهم} بكسر الميم والفاء تقديره: فشرِّد بهم من خلفهم من عمل قبل عملهم {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} يعتبرون العهد فلا ينقضون العهد.{وَإِمَّا تَخَافَنَّ} تعلمنّ يا محمد {مِن قَوْمٍ} معاهدين لك {خِيَانَةً} نكث عهد ونقض عقد بما يظهر لك منهم من آثار الغدر والخيانة كما ظهر من قريظة والنضير {فانبذ إِلَيْهِمْ} فاطرح إليهم عهدهم {على سَوَآءٍ} وهذا من الحان القرآن، ومعناه: فناجزهم الحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك فسخت العهد بينك وبينهم حتى تصير أنت وهم على سواء من العلم بأنك محارب، فيأخذوا للحرب أهبتها وتبرؤوا من الغدر، وقال الوليد بن مسلم: على سواء أي على مهل وذلك قوله: {فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2].{إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين * وَلاَ يَحْسَبَنَّ} قرأ أبو جعفر، وابن عامر بالباء على معنى لاتحسبن الذين كفروا انهم أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب {الذين كَفَرُواْ سبقوا إِنَّهُمْ} قرأ العامة بالكسر على الابتداء، وقرأ أهل الشام وفارس بالفتح ويكون لا صلة، تقديره: ولا تحسبن الذين كفروا أن سبقوا أنّهم يعجزون أي يفوتون.{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ} أي من الآلات يكون قوة له عليهم من الخيل والسلاح والكراع. صالح بن كيسان عن رجل عن عقبة بن مسافر الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر، «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة، فقال: ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» وروى ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن أبي سلمة فقال: لقي رجل مجاهداً بمكة ومع مجاهد جوالق فقال مجاهد هذا من القوة، ومجاهد يتجهز للغزو، وقال عكرمة القوة الحصون.{وَمِن رِّبَاطِ الخيل} الاناث {تُرْهِبُونَ بِهِ} تخوفون، ابن عباس: تخزون، وقرأ يعقوب: ترهبون بتشديد الهاء وهما لغتان: أرهبته ورهّبته {عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} قال مجاهد: بنو قريظة. السدّي: أهل فارس. ابن زيد: المنافقون لا تعلمونهم لأنهم منكم يقولون: لا إله إلا الله، ويغزون معكم، وقال بعضم: هم كفار الجن، وقال بعضهم: هم كل عدو من المسلمين غير الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشردّ بهم.{وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} يدّخر ويوفّر لكم أجره {وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}.
|